.. المواطن المصري , هو الوحيد من بين مواطني العالم , الذي يستيقظ في الصباح ليجد نفسه متهما , في جريمة لم يكن يعرف في المساء أنها –أصلا – جريمة !! وبأثر رجعي !!
..التفسير الوحيد الذي يمكن أن تجده لهذه الحالة الشاذة , هو " المناخوليا " !!
.. ففي عهود سابقة – غابرة , ومعاصرة – عرفت مصر نماذج فجة لحكم "المناخوليا " , فقدحرم الحاكم بأمر الله يوما أكل أهل الظاهر , على باقي سكان القاهرة !! كما حرم ذات صباح أكل الملوخية أو الأسماك غير القشرية !!
.. في زمن من الأزمان كان امتلاك شخص للأطيان الزراعية سببا للفخر , ونيل الألقاب , واحراز مكانة اجتماعية , وبعد يوليو 1952 بات ذات الفعل سببا كافيا للفقر و التأميم ومبررا للزج في السجون و المعتقلات !!
..في عهد السادات – مثلا – صدرت قوانين تحرم وتجرم أشياء في حياة الناس , بمناسبة عيد ميلاد حرم الرئيس !! كما ذكرت السيدة جيهان في مذكراتها , كما وجدنا وزراء يختارون لأرقى المواقع ثم يدفع بهم إلى غياهب السجون و المعتقلات!!
..ثروت عكاشة , الذي كان يوما وزيرا للثقافة في بدايات حكم السادات , قرر يوما أن يصدر كتابا بعنوان " العين تسمع ..والأذن ترى " فعينه السادات مساعدا له , وفي نفس الوقت طلب من شعراوي جمعة – كما ورد في كتاب كمال خالد عن قضية شعراوي جمعة – أن يلفق شعراوي لعكاشة جريمة دعارة أو مخدرات ؟!
..مصر في عهد مبارك الطويل , تعاني من حالة مزمنة من " المناخوليا " ومن عسر المزاج , أو المزاج السوداوي الاكتئابي المتخبط , غريب الأطوار !
.. ما حدث منذ ساعات مع نائب رئيس حزب التجمع , و النائب السابق أبو العز الحريري هو حالة من حالات المناخوليا وعسر المزاج السوداوي , فالنظام ضاق بمواقف أبو العز الأخيرة , سواء على صعيد انخراطه في الجمعية الوطنية للتغيير , أو تبنيه لمواقف و آراء مغايرة للموقف الرسمي لحزب التجمع !! واستضافته منذ أيام أمام مكتبه لمظاهرة ضد التوريث !!
.. ففي 21 سبتمبر الجاري , قرر النظام أن يكشف عن نواياه ويكشر عن أنيابه في مواجهة النائب السابق فأجهز على نجليه أثناء مشاركتهما في مظاهرة أمام المكتبة تحت شعار ضد التوريث في محرم بك بالإسكندرية وألقي القبض عليهما قبل غيرهما , وعندما أفرج عن الجميع كان نجلي أبو العز ( هشام وهيثم ) آخر من أفرج عنهما في صباح اليوم التالي
.. والنظام لم يكتفي بهذه الرسالة الواضحة فأراد أن يوجه رسالة مباشرة لشخص الرجل , فتحركت جحافل الشرطة الى غرب الإسكندرية في مهمة سرية هي تفتيش مكتبة مملوكة لأبو العز الحريري مساء السبت الماضي في منطقة محرم بك ..
..لم يسفر تفتيش مكتبة أبو العز عن العثور على كميات من الهروين و لا الكوكايين ولا عن باكتات من نبات البنجو , أو " القنب " ولم تعثر قوات الشرطة على منشورات معادية للنظام , أو تدعو للثورة الحمراء , أو لثورة الجوعى و الفقراء !! ولم يسفر التفتيش الدقيق للمكتبة , عن أي أسلحة – غير سلاح التلميذ - !!
.. و "سلاح التلميذ " وفقا لمعلوماتي , ومعلومات المصريين العاديين مثلي ليس سلاحا نوويا محظورا , وليس من مخلفات الجيش , أو من متحصلات السرقات – التي لا يعلن عنها – لبعض المخازن الرسمية , والحكومية , للسلاح في مصر !!
.. سلاح التلميذ لا يتم تهريبه عبر الحدود الشرقية , أو الجنوبية , ولا ينتج في مغارات جبال الصعيد , أو أحراش الدلتا , بل هو من انتاج مطابع رسمية تدور بطباعته منذ عشرات , وعشرات السنين , تحت نظر وسمع الدولة .
.. لكن دولة الشوزفرنيا , وعلى هدى من " مناخوليا " الحاكم بأمر الله قررت فجأة ذات صباح أن هذا المنتج " الذهني و الفكري " أكثر خطرا على الأمة من المخدرات و الأسلحة الأخرى التي تستهلك منها مصر ما قيمته قرابة الخمسين مليار جنيه سنويا !!
.. قادة عملية اقتحام مخزن أسلحة أبو العز ( أشهر تاجر أسلحة تلاميذ ) لم يكتفوا بضبط الأسلحة المحظورة , واثبات ذلك في محضر بل قاموا – وفقا لرواية هند الحريري نجلة أبو العز – بمحاولة إلقلء القبض على أمها زوجة أبو العز , ثم اكتفوا بزعيم العصابة " أبو العز " , حيث تم اقتياده إلى قسم محرم بك وسط موكب أمني مهيب .
..بالقاء القبض على أبو العز الحريري , واقتياده لمحبسه ثم للنيابة – وحتى الفجر – يستطيع النظام أن يقول بالفم المليان انه نجح في مواجهة أكبر خطر يهدد التعليم في مصر وربما الصحة و احتمال سلامة المجتمع وأمن المواطنين فيه !!
..فالنظام " المناخوليا " يرى أن مشكلة التعليم هي الكتاب " الخارجي " , بدلا من أن يفهم أن المشكلة الحقيقية هي الكتاب " الداخلي " , هي فشل هذا النظام في أن يقوم كتاب واضح ومفهوم خالي من الحشو و الدش والعبط !!
..وزير التعليم الحالي نجل وزير الداخلية الأسبق زكي بدر خرج علينا أول من أمس في برنامج "صباح دريم " منتشيا بنصره الكبير في معركة الكتاب الخارجي قائلا للمواطنين من رأى منكم منكرا فليغيره على رقم 19126
..لم أكذب خبرا وقررت أن أبلغ الوزير والوزارة أمس الأحد بالمنكر الذي لا يعقله ولا يفهمه نظام المناخوليا وهو أن الكارثة ليست في الكتاب الخارجي بل في كتب الوزارة وهو ما قالته أيضا الهيئة القومية لضمان جودة التعليم التي وصفت الكتاب المدرسي أنه ردئ وضعيف المستوى و الإخراج و الطباعة !!
..أجريت المكالمة بالفعل لكن في كل مرة كان الرد يصلني عبر اسطوانة مسجلة تقول عفوا ساعة العمل الرسمية من التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساء !!